الشيخ إبراهيم الرياحي: من ربوع الزيتونة إلى فساحة العلم و الأدب
أحمد الحمروني، علم "الزيتونة"، الشيخ ابراهيم الرياحي، دراسة ونصوص،ميديا كوم النشر والتوزيع، 220 صفحة، تونس، 1996
تعتبر الزيتونة أول مؤسسة دينية في إفريقيا، وقد مثلت معلما دينيا و ثقافيا ترعرع في رحابه عديد الشيوخ الأجلاء من بينهم "علم الزيتونة " الشيخ إبراهيم الرياحي وهو عنوان كتاب لأحمد الحمروني قدّم له الأستاذ محمد اليعلاوي و امتد على مائة و عشرين صفحة في طبعة أولى بمنشورات ميديا كوم للنشر و التوزيع ، (تونس، سنة 1996). انقسم هذا الكتاب إلى قسمين كبيرين، القسم الأول بعنوان " ترجمة إبراهيم الرياحي و دراسة أثاره" أما القسم الثاني فهو عبارة عن مختارات من شعره و نثره.
حاول أحمد الحمروني تسليط الضوء على شخصية زيتونية مغمورة وهو الشيخ إبراهيم الرياحي (1180 - 1266 هـ / 1766 – 1850م) عبر رسم الملامح السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الفكرية لعصره التي ساهمت في بلورة هذه الشخصية و التأثير في تكوينها . لقد تطرّق الباحث إلى مختلف المراحل التي مر بها الشيخ من طور الدراسة و التعلم في رحاب الزيتونة إلى طور العمل، فاشتغل مدرسا وخطيبا و مفتيا و حتى سفيرا للإيالة التونسية في عاصمة الخلافة في عهد حمودة باشا.
وقد ظهرت للشيخ إبراهيم الرياحي ميولات في كتابة الشعر فتنوعت أغراضه من مدح و رثاء و زهديات... و كانت له محاولات في مجال العلوم، بالمعني التجريبي للكلمة، إذ ترك عديد المخطوطات في مجال الطب و الكيمياء و الحكمة كما تطرّق في كتاباته إلى بعض المواضيع شعرا على غرار تجربته في علم الكيمياء و صفة تكوّن الجنين و مكان العقل و نظم آيات الشفاء...
تتجلى قيمة هذا الكتاب في رسمه لصورة جديدة عن الشيخ الزيتوني بعيدة كل البعد عن صورته النمطية. الرياحي، كما يقدّمه أحمد الحمروني، لم يكن مكبلا بقيود التقليد و التلقين بل كان أنموذجا للعالم المفكرو الأديب الذي يصدح شعرا وتثرا بل لقد توسّل الشعر للإجابة عن مواضيع علمية بحتة وهو ما يكشف قدرته على تطويع اللغة و توجيهها الوجهة التي يريد . وظف الشيخ رحلاته و علمه و فتاويه و دروسه لخدمة الدين و الدنيا وعاضد الباي المصلح أحمد باشا باي.
غير أنّ أحمد الحمروني لم يشر في كتابه الى موقف الرياحي المناصر لقرارالباي بإلغاء الرق وقد صدع به الشيخ في خطبته المنبرية المشهورة التي أوردها ابن أبي الضياف في كتاب الإتحاف. انّها جوانب عديدة و متنوّعة في حياة و شخصية ابراهيم الرياحي جعلت منه أحد أركان النهضة الفكرية الإصلاحية التونسية التي ستظهر أولى ملامحها مع الوزير خير الدين التونسي.
ألفة الورغي